هل تحدّثت يومًا مع أولادك عن المال؟ هل تشركهم في النقاشات العائلية حول مداخيل الميزانية مقابل المصروفات؟ لا بل هل سبق لك أن سمعت أولادك يتحدثون عن استقلالهم المالي أو كرامتهم المالية؟
بصفتك أبًا أو أماً، أنت الأكثر تأثيرًا على عادات أولادك المالية، ناهيك عن جوانب أخرى كثيرة من شخصيتهم. من هذا المنطلق، فإن التوعية الماليّة في سن مبكرة لن يساعدهم على التحلّي بعقليّة مسؤولة تجاه المال فحسب، إنّما سيساعدك أيضًا في إرساء أسس استقلالك المالي عنهم.
على الرغم من الإجماع السائد بأن الأطفال أصغر من أن ينشغلوا بالشؤون المالية، إعلم أنه لدى هؤلاء الصغار القدرة على تحليل الخطط التي تسمح بالاستمتاع بمباهج الحياة. صحيح أنّ طفلًا بعمر السنة قد لا يكون لديه مفهوم واضح حول ماهية المال، إنّما طفل الستّ سنوات يتمتع بإدراك كافٍ يسمح له بالبدء باستيعاب الأمور المالية.
في نهاية الأمر، سيأتي اليوم الذي سيهجرون فيه عشّك الآمن لمواجهة العالم الحقيقي. وإن لم تحسن تعليمهم، فلن يعرفوا كيفية التعامل مع مشاكل وتعقيدات المجتمع الحديث وما يصحبه من ضغوط مالية. مع ذلك، تبقى مهمّتك ترسيخ العادات المالية الجيّدة في سنّ مبكرة، وتعزيز المبادئ المالية السليمة. وإليك السبيل إلى ذلك!
استخدم المنطق معهم
عليك أن تشرح لأولادك الأسباب وراء كل “لا” وكل “نعم” تقولها، وأن تؤسّس جيّدًا لمحادثات تفاعلية وسليمة حول كيفية إنفاقك المال أو ادّخاره. في هذه الحالة، يقع على عاتقك إشراكهم قدر الإمكان في الشؤون الماليّة للأسرة، والسعي جاهدًا إلى المواظبة على الحديث عن المسؤولية المالية والاستقلال المالي بشكل يومي. لنفترض أن طفلك البالغ من العمر 4 سنوات يريد شراء لعبة جديدة، في هذه الحالة، يمكنك الرفض مع تذكيره في الوقت عينه بالرحلة الميدانية المدرسية المثيرة التي يدّخر المال لأجلها.
دعهم يرتكبون الأخطاء
لا بدّ، قبل ذهابك أنت وطفلك إلى السوبرماركت من أن تذكّره بأخذ ماله الخاص معه كمال العيديّة مثلًا، أو المال الذي كسبه كمكافأة عن حسن سلوكه في المدرسة والمنزل، أو ببساطة المصروف الذي أعطيته إياه، وأن تعطيه حرية إنفاقها بالطريقة التي يريدها. في هذه الحالة، لن يتعلّم مهارات إدارة الأموال فحسب، إنّما سيمتنع أيضًا عن الانفجار بكاءً لإجبارك على شراء غرض ما له. بهذه الطريقة، سيدرك مفهوم أنه صاحب المال الذي بحوزته، ويتحمّل مسؤولية قراراته بالكامل. فسواءً كان ما اشتراه سلعة بخسة الثمن وسريعة الانكسار، أو غرض لا حاجة له فيه فعليًّا، امنحه مساحة كافية من المرونة لارتكاب الأخطاء وتعلّم دروس قيّمة منها.
لا تعطهم المال دون مقابل
في حال طلب منك طفلك أن تبتاع له غرضًا ثانويًا، يمكنك الردّ بخطّة تتألف من خطوتين- أولًا، أطلب منه التريّث لمدّة أسبوع، وإن أصرّ على الحصول على ذلك الغرض بعد مضي الأسبوع، أخبره بأنّ عليه إنجاز أعمال منزليّة او مدراسية لكسب نصف ثمن الغرض (الذي لا علاقة له بالمبلغ المدّخر في حصّالته). سيتعلّم أولادك، باتّباعك هذه الإستراتيجية، المشاركة دومًا في العمل المطلوب لشراء ذلك الغرض، وبالتالي سيقدّرون قيمة ما اشتروه. كذلك، سيتعلمون أن يحسبوا الفرق بين الشراء الجاد والرغبة القصيرة الأمد، فضلًا عن استمتاعهم بعملية كسب المال.
ضع نظام مكافآت
ضع نظام نقاط متعدد المقاييس، مثل نقاط للمهام الصباحية، ونقاط للمدرسة، ونقاط للأعمال المنزلية، حتى بوجود مدبّرات منزل لخدمة الأسرة. علّم ولدك أداء أعماله الروتينية اليومية برحابة صدر، وبذل قصارى جهده في أداء واجباته المدرسية، وإتمام المهام المنزلية بنجاح وفقًا للتعليمات التي أعطيت له. فبذلك، سيتعلّم الاعتنناء بمقتنياته في سن مبكرة جدًا. وبالتالي، من خلال منح المكافآت الماليّة أو غيرها من الهدايا مقابل الانضباط، والالتزام، والسلوك الإيجابي، ستنمو لدى طفلك أخلاقيات العمل الجيدة التي تقدّر قيمة المال.
علّمهم عن الديون
لنفترض أنّ طفلك يريد شراء غرض ما بنفسه، إشرح له أن أمامه ثلاثة خيارات لشرائه: إما شراؤه على الفور (من مدّخراته الحالية)، أو شراؤه لاحقًا (للحفاظ على مدخراته للحالية)، أو إيجاد مصدر دخل آخر. فإن اختار الخيار الأخير، ساعده في إيجاد وظيفة مناسبة بدوام جزئي، إذا كان من عمر يمكنه العمل, وهكذا سيتعلّم بأن عليه العمل بجد لتحقيق أهدافه الشرائية، فيصبح أكثر تمرّسًا في مفهوم التخطيط المالي.
نفذ ما تنصح به قولًا وفعلًا
توقّف عن شراء ما لا تحتاجه. فطفلك سيقلّدك ويتمسّك بمختلف العادات المتعلقة بشخصيتك المالية. فإن رآك تبذّر مالك، تأكد أنه سيقوم بالمثل. لا يمكنك تعليم إدارة المال الخاص بشكل جيّد، وأنت لا تتقيّد بعاداتك المالية اليومية.
في الحقيقة، لن يستمع الطفل لنصائحك إن لم تكن مثالًا يحتذى به. لذلك، اعرف جيّدًا ما الذي تعتزم شراءه ومتى، وادعمه بتفسير مقنع لتوضح لطفلك السبب الوجيه وراء إنفاقك هذا القدر الكبير من المال في عملية شراء.
ملاحظة أخيرة
يجب أن تشكّل التوعية المالية جزءًا من ثقافة الأسرة، كونها المدخل نحو تعلّم العادات المالية الجيّدة، وبالتالي “الكرامة” المالية بشكل عام. كأب أو أم، يجب ألا تتهرّب من مشاطرة الشؤون المالية للعائلة مع أولادك، أو تشعر بالذنب حيال هذا الأمر، بل على العكس، فإشراك الطفل في البنى المالية للأسرة من العادات الصحية التي تساعده على اعتماد نهج مسؤول تجاه المال والتفكير تدريجيًا بنفسه ككيان مستقل لن تكون مسؤولًا عنه في المستقبل.
بالإضافة إلى جميع الأفكار المذكورة أعلاه، إليكم هذه النصيحة الأخيرة. حاول البحث عن ورش عمل، أو صفوف، أو دورات الكترونية تفاعلية مخصصة للأطفال باعتبارها من الوسائل الإضافية التي تساعد هؤلاء على تكوين وعي بشأن كيفية إدارة شؤونهم المالية. لست مضطرًا إلى تحمّل كل العبء بنفسك. إبدأ بهذه النصيحة، والآن!