التوتر المالي ليس أسهل الأشياء التي يمكن تجنّبها لأنّ عوامل كثيرة تدخل في الاستقرار المالي، وليست كلها ثابتة. فالقليل من هذه التوترات قد يبدو روتينياً بين حين وآخر، إلا أنّ هذا التوتر عرضة لأن يتفاقم ويتسبّب بالأرق، والمشاكل الصحية، والخلافات الزوجية، والكثير من القرارات الخاطئة التي تعيق الوصول إلى حياة مالية سليمة.
تعالوا نحدّد سلوكياتنا الناتجة عن التوتر المالي لنتحكّم بها قبل أن تتحكّم بسلامتنا على مختلف الصعد.
1) المبالغة في الإنفاق
ينبع التوتّر المالي من الخوف ألّا يكفينا المال أو يغطّي حاجاتنا بغضّ النظر عن رصيدنا في البنك. فإذا قمنا بالإنفاق، سنشعر بالسعادة، ولو كانت مؤقتة، وهكذا نحدّ من الخوف بإثبات قدرتنا على شراء أي شيء. أمّا بعد زوال هذه السعادة المؤقتة، فيعود الشعور بالخوف وربما بشكل أكبر لأنّنا نكون قد أنفقنا أكثر، ولذا نقوم بالتسوق مرة أخرى للحدّ من الخوف مجدداً، وهكذا تدور الدوّامة، بحيث نتّخذ قرارات عشوائية تقودنا إلى الإنفاق غير المدروس وبالتالي نتخطى ميزانيتنا.
2) التدقيق المفرط في الحسابات
استجابة أخرى للخوف من ألا يكفينا المال هي التدقيق المفرط بأي شيء نريد شراءه وحرصنا على توفير الريالات بأي شكل دون المساومة على الجودة. ولأنّ هذا التوازن بين القيمة والجودة ليس دائماً متاحاً، قد نبالغ في التفكير قبل القيام بأي عملية شرائية، فنواصل البحث عن العروض الأوفر والخيارات الأكثر استدامة، لا سيما بوجود الجوّال الذي يجعل الخيارات تبدو لامحدودة. للأسف، ينتهي الأمر غالباً باستنزاف وقتنا وطاقتنا وراحتنا دون أن يؤدّي ضرورةً إلى توفير مبلغ يستحق العناء.
3) تأجيل الدفع وسداد المستحقّات
قد يدفعكم التوتّر إلى تأجيل الدفع، أولاً تجنّباً للشعور بالخسارة الآن وثانياً أملاً في تحسّن الوضع المالي في المستقبل. مثلاً، قد ترغبون في شراء سلعة أو علامة تجارية معينة لكن تكتفون بالخيار الأوفر، أو تحلمون بنمط حياة أسهل لكن تتردّدون بتحقيق ولو جزء صغير منه. للأسف، لا يفيد هذا التأجيل في بعض المواقف، كما عند تأجيل سداد أقساط البطاقة الائتمانية أو دفع مصاريف الاهتمام بصحّتكم، إضافة إلى الشعور بالإحباط لغياب عنصر المكافأة على جهودكم في كسب المال.
4) غياب الحسم في القرارات المالية
أحياناً لا يمتّ التوتر المالي إلى المنطق بصلة، فتكون العواطف سيدة الموقف. ولأنّها بطبيعتها متبدّلة، لا يرتاح من يستسلم لها دائماً وقد يصبح عاجزاً عن اتخاذ أي قرار، وهي حالة تسمّى “الشلل التحليلي”. قد تأتي هذه الحيرة نتيجة السعي الزائد نحو الكمال أو بسبب صدمة مالية سابقة والخوف من الفشل، خاصة للذين عانوا من ظروف مادية قاسية. إنما بغياب القرار الحاسم، يرتفع احتمال تعرّضنا لسوء استغلال، مثل الاقتناع بعرض سيئ أو الموافقة على أجور متدنية من أصحاب العمل.
5) امتلاك الكثير من الأشياء
المتوتر مالياً حريص في كل وقت على عدم خسارة أي مال، ولذلك يحتفظ بالكثير من الأشياء والممتلكات حتى لو لم يعد بحاجة إليها. فهو لا يريد أن يخسر قيمتها المالية كما لا يريد شراءها مجدداً في حال احتاج إليها يوماً ما. وهكذا تصبح كثرة الأشياء عبئاً إضافياً يزيد الشعور بالقلق، علماً أنّ المتوتّر مالياً يميل إلى الاستمرار في شراء الأشياء وبكمّيات كبيرة، أولاً تحسّباً لأي حاجة مستقبلية وثانياً لأنّ التسوّق يتحوّل إلى مصدر وهمي للشعور بالأمان والاستقرار.
في الختام، تجدر الإشارة إلى اقتصاد المملكة الذي ينبض متانةً وعافيةً بالرغم من التغيّرات في الأسواق العالمية. بفضل التدابير التي تتخذها الحكومة، حققت المملكة خلال النصف الأول من 2022 معدلات نمو تعتبر الأعلى منذ أكثر من 10 سنوات. إنه دليل وطني لا ريب فيه على أهمية التخطيط الصحيح والإدارة المالية السليمة في مقاومة أسباب التوتر.